Translate

الخميس، 25 فبراير 2016

الإحتلال الذاتى للأُمة

أمريكا المحتلة ذاتياً

من خلال مجموعة من المفاهيم الإصطلاحية التى يطلقها خبراء صندوق النقد الدولى وموظفى البنك الدولى الذين يتم إختيارهم بعناية من قبل الكربورقراطية الأمريكية (تجمع الشركات الأمريكية والذى يطلق عليه مجازاً الشركة الأمريكية ) والتى يتم التعاطى معها من خلال عملائهم فى الدول النامية والفقيرة وتزرع فى بؤرة التكوين الثقافى والمعرفى النخبوى ،وتستخدم تلك الحزم المفاهيمية ببنيتها الإصطلاحية واللغوية لتغليف إستراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم مثل ((الحكم الرشيد وتحرير التجارة وحقوق المستهلك))،
وبحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال منظور الشركات الكبرى، وأما الدولالتي تقتنع بهذه المفاهيم فهي مطالبة بخصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء أي أن تبيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول باستمرار أمريكا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى فى تقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها.

وفي النهاية فإن هذه الإمبراطورية العالمية تعتمد على كون الدولار يلعب دور العملة القياسية الدولية، فالولايات المتحدة هي التي يحق لها طبع الدولار وبالتالي يمكنها تقديم القروض بهذه العملة رغم إدراكها الكامل أن معظم الدول النامية لن تتمكن من سداد الديون، كما أن النخبة الأمريكية لا تريد بالفعل قيام الدول بالسداد، لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها بعد ذلك من خلال مفاوضات سياسية واقتصادية وعسكرية،وبالتالى فإن حرية طبع النقد الأمريكي دون أي غطاء هي التي تعطي لإسراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها؟

وهذا ما يفسر بسط المؤسسة الاقتصادية الأمريكية لنفوذها على باقى المؤسسات الأخرى
السياسية والعسكرية والمخابراتية والإعلامية، والتاريخ الحديث شاهد عل مدى تعبير سياسات الولايات المتحدة عن مصالح أولئك الذين يتحكمون في الدولة، فاًحداث إيران في الخمسينيات عند تولي(( محمد مصدق)) رئاسة الوزارة والانقلاب ضد سلفادور الليندي في السبعينيات في تشيلي وأنظمة الحكم الديكتاتورية في جهورية الموز، وأخيراً محاولة قلب نظام حكم ((شافيز)) في فنزويلا، لهي دلالات قوية تمر بسرعة بذاكرة كل متابع عادي للأحداث العالمية، فالمصالح الخاصة لهذه الشركات هي بمثابة المصلحة العامة لأمريكا، مما جعل العمل السياسي ينحسر في التفاعل المستمرمع مجموعات المصالح الاقتصادية التي تنافس للسيطرة على الدولة، وتحول النظام السياسي
الأمريكي إلى نظام للحزب الواحد ينقسم إلى جناحين (الجمهوري) و ( الديمقراطي)) يسيطر على كل منهما مجموعات متغيرة من قطاع الأعمال ويشتركان في التوجهات الرئيسية للأيديولوجيا الأمريكية، وأهمها شرط إسعاد وإرضاء من ((يملكون البلد)) (المستثمرون) حيث إنه دون تحقق ذلك سينال البؤس من باقي أفراد الشعب وعليه فإن الخطر كل الخطر يكمن - بالنسبة للنظام الامريكي القائم - في التهديد المتمثل في بروز بدائل أخرى من النماذج الإجتماعية لا تتمشى مع أسس هذا الفكر، وبالتالي رأت الحكومات الأمريكية المتتالية في ظهورهذه البدائل ذريعة تبرر استخدام سياسات الردع للدفاع عن النفس بمافى ذلك التدخل العسكري، فمن خلال الإطار المفهومي الذى
ترسخ والمحترم من الجميع، فإن أي اعتداء يُبرر بسهولة للشعب الامريكي على أنه دفاع عن النفس،
واختلاف العالم مع سياسة الولايات المتحدة يعنى ببساطة أن العالم هو المخطئ.

 ولقد سمح تركيز سلطة اتخاذ القرار في أيدي القطاع الخاص - بالنسبة للدوائر المحورية للحياة الأمريكية - من تغير مسار أي تحد رئيسي للامتيازات القائمة والقضاء عليه قبل أن يأخذ شكلا أكثر قوة. واستخدمت آليات السوق لتوجيه وضبط الأفكار والمشاعر العامة بحيث إقتصر دور رجل الشارع على كونه مستهلكاً ومتفرجاً وليس مشاركأ، وحيث إن صوت الشعب يجب أن يسمع في المجتمعات الديمقراطية - وذلك بخلاف النظم الشمولية التي لا يهمها سوى طاعة المواطنين بصرف النظر عما يفكرون فيه - فلقد تمكن أصحاب المصالح الأمريكية من تجاوز هذه الإشكالية من خلال غسيل مخ مستمر يصبح فيه حديث المواطن العادي متمشياً تماماً مع مفاهيم النخبة الاقتصادية والسياسية، وهو ما عبر عنه أدوارد بيريز بعملية (هندسة الموافقة The engineering of consent) فعمليات السيطرة عل العقل العام الأمريكي تتم بشكل مستمرومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمة بحيث يساق الشعب بشكل دائم إلى إدراك بأن الحرب لم تنته وبأن بلاده تحارب من أجل قضية نبيلة، ولا غرابة إذن اًن يستخدم الرئيس الأسبق (ريجان) تعبير(إمبراطورية الشر) والرئيس (بوش) تعبير (محور الشر) للتأثير على المواطن العادي بألفاظ ذات مسحة دينية، وكما يساهم شركاء النخبة من المثقفين وقادة الرأي والفكر في تعبئة الرأي العام بجرعات منتظمة من البلاغة تتسم بالمغالاة دائماً للحيلولة دون تحول اًي فكر مستقل إلى فعل سياسى يهدد مبادئ النخبة المسيطرة، ويتطلب ذلك بالضرورة تركيزاً عالياً للملكية في مجال الإعلام ((الميديا))، وكما أن الذين يتبوءون إدارة المؤسسات الإعلامية أو يكتسبون مكانتهم بصفتهم معلقين أو صحفيين ينتمون بحكم الوضع الاجتماعي والمالي لنفس النخبة المحظوظة ويشاركونها الامتيازات والتطلعات، ويعبرون بالتالي عن مصالح الطبقة الني ينتمون (أو سينتمون) إليها دون
حاجة إلى توجيه أو وصاية فيما يقولون أو يكتبون، وهكذا يخدم نموذج الدعاية في الميديا أغراض الشركة الأمريكية والدولة، ويتحدد في تقرير وتحليل الأمور بشكل يساند المزايا القائمة ويٌحِد من الحوار والمناقشة حول المفاهيم ا لأساسية للنخبة.

هناك تعليقان (2):

Blogger Template by Clairvo