Translate

الجمعة، 8 يناير 2016

صفات الحاكم العادل فى الإسلام

عظمة الإسلام
كتب عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة إلى الحسن ابن أبى الحسن البصرىّ أن يكتب له بصفة الإمام العادل؛ فكتب إليه الحسن: اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كلّ مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كلّ فاسد، وقوّة كلّ ضعيف، ونصفة كلّ مظلوم، ومفزع كلّ ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله والحازم الرفيق الذى يرتاد لها أطيب المراعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحرّ والقرّ.
والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا، ويعلّمهم كبارا، يكسب لهم فى حياته، ويدّخر لهم بعد وفاته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأمّ الشفيقة البرّة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربّته طفلاً، تسهر لسهره وتسكن لسكونه، وترضعه تارةً وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتّم بشكايته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصىّ اليتامى، وخازن المساكين، يربىّ صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملّكك الله كعبد ائتمنه سيّده واستحفظه ماله وعياله، فبدّد المال وشرّد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجربها عن الخبائث والفواحش، فكيف (إذا أتاها من يليها) وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلّة أشياعك عنده وأنصارك عليه؛ فتزوّد له وما بعده من الفزع الأكبر.
واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذى أنت به، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحبّاؤك، ويسلمونك فى قعره فريدا وحيدا؛ فتزوّد له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه. واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما فى القبور، وحصّل ما فى الصّدور؛ فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها؛ فالآن يا أمير المؤمنين وأنت فى مهل، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل؛ لا تحكم يا أمير المؤمنين فى عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمّة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك.
ولا يغرّنك الذين ينعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيّبات من دنياهم بإذهاب طيباتك فى آخرتك. ولا تنظرنّ إلى قدرك اليوم، ولكن انظر الى قدرك غدا وأنت مأسور فى حبائل الموت، وموقوف بين يدى الله تعالى فى مجمع الملائكة والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحىّ القيّوم. إنى يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ فى عظتى ما بلغه أولو النّهى قبلى، فلم آلك شفقة ونصحا؛ فأنزل كتابى هذا إليك كمداوى حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له بذلك من العافية والصحة. والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته"

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ولى علينا وعلى سائر بلاد المسلمين حكاما يعدلون ولايبتغون إلا وجهك الكريم

    ردحذف

Blogger Template by Clairvo