Translate

الجمعة، 8 يناير 2016

الإسلام والحكم

وأن احكم بينهم بما أراك الله

وما يمتاز به الأنبياء والمرسلون عن الحكماء والمؤلفين والعلماء المحققين أنهم يعنون بتربية النفوس والأشخاص الذين يضطلعون بأعباء الدعوة بعدهم وينفذون تعاليمهم ورسالاتهم علماً وعملاً ومعلومٌ أن دعوتهم العظمى لا تقوم إلا على أكتاف الأصحاء الأقوياء الحنفاء المخلصين في إيمانهم والمخلصين في تفكيرهم والمخلصين في نياتهم الذين قد تنقًّت رؤوسهم وصدورهم من ألواث الجاهلية والذين هضموا الإسلام هضماً صحيحاً وانقطعت كل صلة في حياتهم عن الجاهلية بأوسع معانيها وخُلِقوا في الإسلام خلقاً جديداً.
ونرى ذلك واضحاً في حياة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فلما كان بنو إسرائيل قد نشأوا في حياة العبودية والذل والاضطهاد والسخرة الظالمة وماتت رجولتهم وإِباؤهم ووردوا على الخنوع والاستكانة والخضوع للقوي الغالب وعلى الجبن والحرص الشديد على الحياة والخوف الشديد من الموت وأسبابه حتى قال لهم نبيهم {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} ولم يشجعهم على التقدم والقتال قول موسى عليه السلام (كتب الله لكم ) مع أنه كان ضماناً لانتصارهم وأخيراً قالوا بكل صراحة ووقاحة ( ياموسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) فظهر أن نشأتهم الأولى تأبى عليهم أن يخوضوا في معركة ويدخلوا في امتحان ويُعَرِّضوا أنفسهم للخطر وقطع موسى من هذا الجيل الفاسد الرجاء وقال {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} هنالك أمره الله بالاعتزال مع قومه (لا عن قومه) في بيداء سيناء حيث الشظف وخشونة الحياة وهنالك ينقرض هذا الجيل الفاسد الذي شب على الجبن والضعف وشاب عليه وينشأ الأولاد والشباب الإسرائيلي الذين لايزالون في مقتبل العمر-على التخشن والجلادة وتحمل شدائد الحياة- ومكارهها وينشأ جيل جديد يولد في هذه العزلة والبداوة على معاني الرجولة والفروسية وهكذا تتكون أمة جديدة تقوم بدعوة النبي وتطبيق تعاليمه ومبادئه وتجاهد في سبيلها.
وذلك معنى بليغ من معاني الهجرة النبوية فقد استطاع سيد الأنبياء وسيد الدعاة إلى الله - عليه الصلاة والسلام - بانتقاله مع أصحابه من ضيق مكة إلى سعة المدينة وحريتها أن يكمل تربية أصحابه وأن ينشئ الجيل الإسلامي الجديد الذي لم يلبث أن اضطلع بأعباء الدعوة المحمدية ومثل الإسلام تمثيلاً كاملاً.
كذلك الدعوة الإسلامية تفرض إنشاء جيل جديد للإسلام جديد في قوة إيمانه جديد في حماسته وثقته جديد في أخلاقه جديد في تفكيره وعقليته جديد في كفايته العلمية واستعداده العقلي وأن النجاح في هذا الانتاج البشري مقياس نجاح الدعوة فكلما كان النجاح كبيرا في إيجاد هذا الجيل وتكوين هذا الشباب كان النجاح باهرا في الدعوة والرسالة ومعلوم أن إنشاء الجيل الجديد أو تقويم الجيل المعاصر الذي لم يفقد صلاحيته ونموه - ليس بالأمر الهين إنها مهمة لتنوء بالعصبة أولي القوة .

هناك تعليق واحد:

Blogger Template by Clairvo